(“'•.¸§((`'•.¸*منتديات شباب العجمى*¸.•'´))§ ¸.•”)
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يا ليل العشاق

اذهب الى الأسفل

يا ليل العشاق Empty يا ليل العشاق

مُساهمة من طرف Mr.mazen الخميس أبريل 26, 2007 7:33 am

يا ليلَ العشاق والشعراء والمنشدين.

يا ليل الأشباح والأرواح والأخيلة.

يا ليل الشوق والصبابة والتذكار.

أيها الجبار الواقف بين أقزامِ غيومِ المغرب وعرائس الفجر,

المتقلِّدُ سيفَ الرهبة,

المتّشحُ بثوبِ السكوت,

الناظرُ بألفِ عينٍ إلى أعماق الحياة,

المُصغي بألفِ أُذنٍ إلى أنَّة الموت والعدم.

أنتَ ظَلاَمٌ يُرينا أنوار السماء,

والنهارُ نورٌ يغمُرُنا بظلمة الأرض.

أنتَ أَمَلٌ يفتَحُ بصائرنا أمام هيبةِ اللاَّنِهَاية,

والنهارُ غُرورٌ يُوقِفُنَا كالعميان في عالم المقاييس والكمية.

أنتَ هدوءٌ يُبيح بِصَمْتِه خفايا الأرواح المستيقظة

السائرة في الفضاء العلوي,

والنهارُ ضَجِيجٌ يُثير بِعَوَامِلِه نفوسَ المنطرحين بين المقاصد والرَّغائب.

أنت عادل يجمع بين جنحي الكرى أحلامَ الضعفاء بأماني الأقوياء.

وأنت شفوق يُغمِضُ بأصابعه الخَفيَّة أجفانَ التُّعساء

ويحمل قلوبهم إلى عالمٍ أقلَّ قساوةً من هذا العالم.

بينَ طيَّاتِ أثوابك الزرقاء يسكب المُحِبُّون أنفاسهم.

وعلى قدميك المالَّفَتَينِ بقطرِ الندى يَهْرَق المستوحشون قطراتِ دموعهم.

وفي راحتيك المعطَّرَتَينِ بطيب الأودية يضع الغرباء تَنَهُّداتِ شوقِهِم وحنينهم...

فأنت نديم المحبين,

وأَنيسُ المستوحدين,

ورفيقُ الغرباء والمستوحشين.

في ظِلالك تدبُّ عواطف الشعراء.

وعلى منكبيك تستفيق قلوبُ الـ .......

وبين ثنايا ضفائرك ترتعش قرائح المفكّرين...

فأنتَ ملقّن الشعراء,

والموحي إلى الــ........,

والموعِزُ إلى المفكّرين والمتأمِّلين.

عندما ملَّت نفسي البشر,

وتَعِبَت أجفاني من النظر إلى وجه النهار,

سرتُ إلى تلك الحقول البعيدة حيث تهجع

أشباحُ الأزمنة الغابرة.

هنالك وقفتُ أمام كائنٍ أقتَمَ جامِدٍ, مرتعشٍ,

سائرٍ بألفِ قَدَمِ فوق السهول والجبال والأودية.

هنالك حدَّقتُ شاخِصًا بعيون الدجى,

مُصغيًا لحفيف الأجنحة غير المنظورة,

شاعِرًا بمَلامِسِ ملابس السكوت,

مستبسلاً أمام مخاوف الظلام.

هنالك رأيتك أيها الليل شَبَحًا هائِلاً جميلاً

منتَصِبًا بين الأرض والسماء,

متَّشِحًا بالسحاب,

مُمَنْطَقًا بالضباب,

ضاحِكًا من الشمس,

ساخِرًا بالنهار,

مستهزِئًا بالعبيد السَّاهرين أمام الأصنام,

غاضبًا على الملوك الرَّاقدين فوق الحرير والديباج,

محملِقًا بوجوهِ اللصوص,

خافرًا بقرب أسرة الأطفال,

باكيًا لابتسام الساقطات,

مبتسمًا لبكاء العشاق,

رافعًا بيمينك كبارَ القلوب,

ساحِقًا بقدميك صغار النفوس.

هناك رأيتك أيها الليل... وَرَأَيتَنِي

فكنتَ بهولِك, لي, أَبًا,

وكنتُ, بأحلامي, لك, ابنًا,

فأُزيحَتْ من بيننا ستائرُ الإِشكال

وتمزَّقَ عن وَجْهَينا نِقابُ الظنّ والتَّخمين,

فأَبَحْتَ لي أسرارَك ونياتِك,

وَأَبَنْتُ لك أَمَانِيَّ وآمالي,

حتى, إذا تحوَّلت أهوالك إلى أنغام

أعذبَ مِنْ هَمْسِ الأزهار,

وتبدَّلت مَخَاوِفي بأنسٍ

أطيَبَ من طُمَأنينَةِ العصافير,

رَفَعْتَنِي إليك,

وأجلستني على منكبيك,

وعلَّمْتَ عينيَّ النظر, وعلَّمْتَ شفتَيَّ الكلام,

وعلَّمْتَ قلبي مَحَبَّة ما لا يُحِبُّه الناس

وَكُرْهَ ما لا يكرَهونه,

ثم لمستَ بأنامِلِكَ أفكاري فَتَدَفَّقَتْ أفكاري

نهرًا راكضًا مترنّمًا يجرف الأعشاب الذابلة

ثم قبَّلتَ بِشَفَتَيْكَ روحي فتمايَلَتْ روحي

شعلةً متَّقِدَةً تلتهم الأنصاب اليابسة.

لقد صَحِبْتُكَ أَيّها الليل حتَّى صرتُ شبيهًا بك,

وأَلِفْتُكَ حتى تمازَجَت ميولي بميولك,

وأَحببتُك حتى تحوَّل وجداني إلى صورَةٍ مصغَّرَةٍ لوجودك.

ففي نفسي المظلمة كواكِبُ ملتَمِعَة ينثرها الوجد عند المساء

وتلتقطها الهواجس في الصباح.

وفي قلبِي الرَّقيبِ قَمَرٌ يسعى تارة في فضاء متلبّدٍ بالغيوم,

وطورًا في خلاء مفعم بمواكب الأحلام.

وفي روحِي الساهرة سكينَةٌ تُبيحُ بمفاعيلها سرائر المحبين,

وتُرَجِّع خلاياها صدى صلوات المتعبّدين.

وحول رأسي غِلاَفٌ مِنَ السحر تمزّقُه حَشْرَجَةُ المُنَازِعِين.

ثم تَخِيطُه أغاني المتشبّبين.

أنا مثلُكَ أَيُّها الليل!

وهل يَحْسَبُني الناسُ مفاخرًا إذا ما تَشَبَّهتُ بك

وهم, إذا تفاخروا, يَتَشبَّهُونَ بالنهار?

أنا مثلُكَ وكِلاَنا متَّهَمٌ بما ليس فيه.

أنا مثلُكَ بميولي وأحلامي وخُلقي وأخلاقي.

أنا مثلك وإن لم يُتَوّجني المَسَاءُ بغيومِهِ الذهبية.

أنا مثلك وإن لم يُرَصِّع الصَّبَاحُ أذيالى بِأَشعَّته الوردية.

أنا مثلك وإن لم أكن مُمَنطَقًا بالمجرَّة.

أنا ليل مسترسل, منبسط هادئ, مضطرب...

وليس لظلمتي بدء,

وليس لأعماقي نهاية.

وإذا ما انتَصَبَتِ الأرواحُ متباهِيَةً بنورِ أفراحها,

تتعالى روحي متجمِّدة بظلامِ كآبتها.

أنا مثلك أيها الليل

ولن يأتِيَ صَبَاحي حَتَّى يَنْتَهِي أَجَلي


جبران خليل جبران


شكرا ويارب تكون عجبتكم



اخوكم احمد تحايتى للجميع
Mr.mazen
Mr.mazen
SHnSH
SHnSH

عدد الرسائل : 303
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 06/04/2007

https://shnsh.own0.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى